الرجل الذي تحدى الله
يروى الفنان عبد المنعم مدبولي أن مشهد تقليد الكلب في فيلم احنا بتوع الاوتوبيس لم يكن من وحي الخيال وإنما كان انعكاسا لما جرى حقيقة في السـ,ـجون الحـ,ـربية على يد اللواء حمزة البسيوني مدير سجن عبد الناصر الحربي وملك التع-ذيب بلا منازع، فقد أجبر ذات يوم أحد المعتقلين أن يزحف أمام زوجته وابنته في هيئة كلـ,ـب مهـ,ـان، وسأله أمامهما: انت ايه؟ فأجاب الرجل المقـ,ـهور: انا كـ,ـلب يا بيه، فقال له البسيوني: والكلـ,ـب بيعمل ايه؟ فرد باكيا: بيهوهو يا بيه، فأمره أن ينبح ففعل وهو يبكـ,ـي، بينما الزوجة تسقط مغـ,ـشيا عليها من هول المـ,ـذلة، وضابط السجن يضحك ضحكة الشـ,ـيطان المنتشي بالتحـ,ـقير.
ولم يكن ذلك إلا مشهدا صغيرا في سجل طويل من الرعـ,ـب، فقد امتلأت ذاكرة المعتقلين بحكايات عن س-ياط تم-زق الظ-هور وصف-عات كالصو-اعق وق-بضات تك-سر الفكوك وأجساد تس-حل على الصخور حتى يتف-جر الد-م من اللحم، رجل لم يتورع أن يصرح متحديا: لو ربنا بتاعكم نزل هح-بسه في الس-جن الانفرادي. لكنه نسي أن الله يمهل ولا يهمل. جاءت نكسة سبعة وستين، وتغيرت المعادلات، فأحيل حمزة البسيوني إلى المعاش ثم قبض عليه ووضع في س-جن القلعة بجوار بعض ممن ذاقوا سو-ط عذ-ابه، وهناك رآه الكاتب صلاح عيسى واصفا المشهد قائلا: رأيت رجلا عجوزا شعره ابيض كالثلج يمشي منكس الرأس في ضعف وانكسار وأمامه مخبر يصرخ فيه ليحث الخطى، فاغتنم الفرصة واقترب من زنـ,ـزانتي وقال بصوت هامس مرتجف: انا اللواء حمزة البسيوني.. انت مين؟ ولم يكد يتم كلماته حتى دهمنا صوت المخبر صائحا فيه: امشي من سكات، فإذا به يستجيب بخـ,ـوف مذعور، حينها مرت أمام عيني صور ضحـ,ـاياه المس-حولين والمم-زقة جلو-دهم، يا الطاف الله الخفية، أهذا هو ذاته ملك التع-ذيب؟! الذي كان يوما يظن أنه فوق البشر وفوق السماء.
خرج بعد ذلك من الس-جن لكنه عاش مهزوما باهتا بعيدا عن الأضواء حتى جاء يوم التاسع عشر من نوفمبر عام 1971، أول أيام عيد الفطر، وكان يقود سيارته من الاسكندرية إلى القاهرة بجنـ,ـون، فاصـ,ـطدمت سيارته بشاحنة محملة بأسي-اخ الحديد، لتختـ,ـرق الس-يخات رأ-سه ور-قبته وجن-به، حتى انخ-لع كتفه عن جسده، يقول المستشار خيري يوسف الذي عاين الجث-ة: لم استطع أن أكمل المناظرة فقد وقعت مغشـ,ـيا علي من هول المنظر، مشهد لا يحتمله عقل. ولم تقف الأمور عند الحادثة بل تتابعت الأهوال بعد موته، إذ ذكر مغسلو الموتى أن جث-ته أعيد غسلها إحدى عشرة مرة إذ كان يتبـ,ـرز رغم موته، وتعجبوا حتى جلبوا طبيبا خشية أن يكون حيا فأكد الطبيب أنه ميـ,ـت، لكنه ميـ,ـت يعذ-ب، ميـ,ـت يفضـ,ـحه جسده في الدنيا قبل الآخرة، حتى أغلقوا قـ,ـبره بالاسمنت وقيل إنه لم يدفن فيه أحد بعده. وهكذا انتهى حمزة البسيوني الذي ملأ القلوب رعـ,ـبا بميـ,ـتة بشـ,ـعة يتقـ,ـزز منها حتى ألد أعدائه، ليكون عبرة ناطقة بأن الطغاة مهما انتفخوا وتكبروا، فإن مصائرهم قد تكون أشد إذلالا مما صنعوه بضـ,ـحاياهم، فمن أجبر الرجال أن يزحفوا كالكـ,ـلاب، صار هو نفسه ج-ثة ممز-قة تتبرز بعد موتها، وسنة الله لا تتخلف، والقصاص لا يغيب
